انطلاق هويّة مهارية جديدة 🧠
يشهد العالم اليوم سباقًا متسارعًا نحو تطوير رأس المال البشري، حيث لم تعد الشهادات الأكاديمية وحدها كافية لضمان مكانة تنافسية في سوق العمل، بل باتت المهارات العملية والتقنية والابتكارية هي المعيار الأهم للنجاح والتميز. وفي ظل هذه المتغيرات العالمية، أطلقت المملكة العربية السعودية أسبوع المهارات الوطني في الفترة بين 13 و19 يوليو 2025، بالتزامن مع الاحتفاء بـاليوم العالمي لمهارات الشباب (15 يوليو)، تحت شعار وطني ملهم هو “المهارات أولًا”، لتؤكد أن بناء الإنسان هو الأساس في بناء الاقتصاد.
تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وعبر ذراعها التنفيذي وكالة المهارات والتدريب، جاء هذا الأسبوع ليكون منصة وطنية كبرى تجمع بين صناع القرار، المؤسسات التعليمية، القطاع الخاص، والمنظمات الدولية، بهدف تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية المهارات، وخلق بيئة تشجع على التعلم المستمر مدى الحياة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي وضعت “تنمية القدرات البشرية” كأحد أعمدتها الرئيسة.
يمثل هذا الحدث امتدادًا لمبادرات وطنية سبقت إطلاقه، مثل المنصة الوطنية للمهارات، وبرنامج المسرّعات المهارية، والحملة الوطنية للتدريب “وعد”، والتي وضعت جميعها هدفًا واضحًا يتمثل في تجهيز ملايين السعوديين بمهارات عالية الجودة في مجالات استراتيجية كالتقنيات الرقمية، الطاقة المتجددة، الرعاية الصحية، والخدمات المالية.
ولا يقتصر “أسبوع المهارات” على التدريب فحسب، بل يسعى إلى إعادة صياغة مفهوم العمل ذاته، من خلال دمج الابتكار وريادة الأعمال بالتعليم والتأهيل المهني، وفتح قنوات جديدة للتعاون بين القطاعين العام والخاص. وهو أيضًا رسالة للعالم بأن السعودية ماضية في تبني معايير التنافسية العالمية في سوق العمل، عبر ربط المواطن بالمعرفة، وربط المعرفة بالفرصة، وربط الفرصة بالتنمية الشاملة.
بهذه الرؤية الشاملة، يتحول “أسبوع المهارات” من حدث سنوي إلى نقطة انطلاق لمسار وطني طويل المدى، يسعى إلى بناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة، وتحويل الطموحات الفردية إلى إنجازات جماعية تسهم في رفعة الوطن ومكانته العالمية.
السياق الوطني والرؤية الاستراتيجية
أ. رؤية 2030 ورؤية سوق العمل
تأتي المبادرة ضمن إطار استراتيجية سوق العمل المعتمدة منذ 2020، والتي تهدف إلى رفع معدلات المشاركة، زيادة الإنتاجية، وتقليل البطالة. وقد سجّل الاقتصاد السعودي نموًا في إنتاجية العمل بنسبة 4.9 ٪ في 2022، وهي الأعلى بين دول مجموعة العشرين .
ب. برامج محورية داعمة
• مبادرة “واعد” الوطنية للتدريب: حققت في مرحلتها الأولى إنجازًا بنسبة تجاوزت 129 ٪ من حجم المستهدف المتفق عليه، بالشراكة مع 14 جهة من القطاع الخاص، وتستهدف تقديم 3 ملايين فرصة تدريبية بحلول 2028 .
• برنامج المسرّعات المهارية (Skill Accelerator Program): يهدف إلى تدريب وإعادة تأهيل أكثر من 300 ألف سعودي في قطاعات حيوية بحلول 2027، عبر أكثر من 3,000 برنامج تدريبي بمشاركة محلية ودولية .
ج. إطلاق المنصة الوطنية للمهارات
في 14 أبريل 2025، أعلن وزير الموارد البشرية إطلاق المنصة التي تستهدف تأهيل أكثر من 300 ألف متدرب في قطاعات مثل الطاقة، الرعاية الصحية، الخدمات المالية، وتجارة التجزئة. المنصة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتصنيف المهارات وتوجيه الأفراد نحو المسارات التدريبية المناسبة .
أهداف أسبوع المهارات الوطني
• رفع الوعي بأهمية المهارات: تركيز الرسائل الإعلامية وورش العمل على أن المهارات تعادل أو تفوق الشهادات التقليدية في أهميتها للمستقبل .
• ربط ثقافي بين التعليم وسوق العمل: مواءمة مخرجات التعليم مع ما يحتاجه سوق العمل من خلال الأطر التنظيمية الجديدة.
• شبكة شراكات متينة: بين وزارة الموارد البشرية، القطاع الخاص، الأكاديميات، ومجالس المهارات القطاعية (13 مجلسًا، أكثر من 200 خبير).
• تعزيز القدرات التقنية والمهنية: عبر التدريب العملي، التقني، والذكاء الاصطناعي في التوجيه المهني.
• قياس الأداء والتأثير: باعتماد مؤشرات مثل عدد المتدربين، نسب التوظيف، مؤشرات رضا أصحاب العمل، وجودة التدريب.
أبرز المحاور والفعاليات
أ. فعاليات التوعية والتثقيف
• حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار #المهارات_أولًا.
• ورش تعريفية في الجامعات والمدارس المهنية لجذب فئة الشباب نحو الخيارات التدريبية المتوافقة مع احتياجات السوق.
ب. معرض ومؤتمر مبادرة القدرات البشرية
أُقيم المؤتمر في الرياض بحضور أكثر من 300 خبير وصانع قرار من 120 دولة، وتضمّن 100 جلسة حوارية خلال يومين لتبادل الخبرات الدولية .
ج. الأطر التنظيمية - “مجالس وإطار مهاري”
• إطلاق أداة إطار المهارات القطاعي: تشمل أكثر من 8,500 مهارة تقنية في 12 قطاعًا حيويًا قابلة للتحديث المستمر.
• تأسيس مجالس المهارات القطاعية بتمثيل من الحكومة والقطاع الخاص والأكاديميا لضمان توافق الإطار مع التغيرات السوقية.
د. التوجيه المهني الذكي
• جلسات استشارية مهنية مدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي عبر المنصة الوطنية للمهارات.
• خوارزميات تُطابق قدرات الفرد مع المسارات التدريبية المستقبلية الأكثر جدوى وطلبًا.
هـ. مسابقات وتحديات مهارية
• دمج نماذج من مسابقات المحترفين مثل Saudi Skills في تخصصات التقنية، التصنيع، والابتكار.
• فرص تنافسية للشباب تعزز الإبداع، الثقافة التقنية، وريادة الأعمال.
شركاء القيادة والتنفيذ
• وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية: المدير التنفيذي للـ”أسبوع المهارات” والمشرف على مبادرات المهارات.
• وكالة المهارات والتدريب: المسؤولة فنّيًا وتشغيليًا، تحت قيادة الدكتور أحمد بن عبدالله الزهراني .
• برنامج تنمية القدرات البشرية: الشريك في مبادرات Waad والمنصة.
• القطاع الخاص ومؤسسات التدريب: مشاركون في تقديم الورش، البرامج التدريبية، وجلسات التوجيه.
• الجامعات والمعاهد التقنية: مكملة للعملية التدريبية وتطوير المهارات المبكرة.
الإنجازات المتحققة حتى الآن
• المرحلة الأولى من Waad حققت 129% من حجم التدريب المستهدف، تم تحقيقه بالتعاون مع 14 جهة من القطاع الخاص .
• تجاوز برامج التدريب الموازي للمرأة المستهدف بنسبة 22%، وبلغ معدل الاحتفاظ الوظيفي 92% في القطاع الخاص .
• تدريب أو إعادة تأهيل أكثر من 300 ألف سعودي في قطاعات استراتيجية حتى عام 2027.
• أتمتة وتبسيط التحقق المهني للكوادر الأجنبية من أكثر من 160 دولة وأكثر من 1,000 مهنة لتلبية معايير الكفاءة .
التحديات والفرص
التحديات
• الوصول إلى الفئات النائية والمناطق الريفية يحتاج جهودًا ميدانية أكبر.
• ضمان استمرارية تحديث تدريبات تتماشى مع تطور التقنية كـ AI والروبوتات.
• قياس الأثر التوظيفي وتحسين جودة البرامج التدريبية دور مركزي في التقييم.
الفرص
• تحويل المنصة الوطنية للمهارات إلى محور قوة في التوجيه المهني الذكي.
• دمج التدريب المهاري بالتعليم الأكاديمي مبكّرًا لتعزيز ثقافة المهارة.
• تنمية الاقتصاد الرقمي بتطوير شباب قادر على قيادة التحول التقني.
• تعزيز التنوع الاقتصادي عبر جذب الاستثمار وابتكار فرص جديدة للشباب.
التوقعات المستقبلية
• مد أسبوع المهارات ليصبح حدثًا سنويًا يجمع بين اليوم الدولي لمهارات الشباب وهويتنا الوطنية نحو استدامة المهارة.
• إطلاق مبادرات تخصصية مطابقة لجنس وشغف الشباب مثل المسارات المهارية النسائية.
• التركيز على التقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، الأمن السيبراني، الطاقة المتجددة، والرعاية الصحية الرقمية.
• تسريع نمو الاقتصاد الإبداعي من خلال التدريب في ريادة الأعمال، الابتكار، وتحفيز المشاريع الناشئة.
يمثل إطلاق أسبوع المهارات الوطني 2025 نقطة تحول نوعية في مسيرة المملكة نحو مستقبل يعتمد على رأس المال البشري المدعوم بالتقنية. من خلال تفعيل التدريب، التعاون بين القطاعات، ومسارات مهنية ذكية، تُبني السعودية حاليًا قاعدة قادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا.
تتطلب هذه المسيرة استدامة داخلية، تكاملًا مؤسسيًا، وتقييمًا دوريًا للوصول لأكبر أثر مستدام. إن نجاح WEEK لا يُقاس بالبساطة في الأداء، بل بقدرته على تمكين الشباب السعودي من قيادة اقتصاد المعرفة وتشكيل مستقبل المملكة ضمن رؤية 2030.